الحكيم الإلهي والفقيه الرباني آية الله العظمى المعظم المجاهد المظلوم المولى الميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي أدام الله ظله العالي |
العباد في جميع أحوالهم قاصرين ومقصرين ولو بترك الأولى، وليس من طريق إلى استحقاق رحمة الله وعفوه إلا بالفضل والمنّة والكرم منه تعالى، فهو المنان على من يشاء من عباده، ولكن..
أبى الله أن يُجري الأشياء إلا بأسبابها فكان لابد من الطلب من العبد إلى حضرة الجناب المقدس مقالاً وحالاً، والمقال هو التوجه إلى الله سبحانه وتعالى بالطلب اللساني بالكلمات الموروثة عن الميامين (عليهم السلام)، وأما الطلب الحالي فهو أن يحكي لسان حال العبد طلبه للمدد لبلوغ الأمر الذي هو راغب في تحصيله من خلال القيام بأوامر الله ونواهيه في جميع أحواله وفي السر والعلن، والتقرب إليه بالمستحبات والنوافل.. هذا هو الطلب الحقيقي الذي يستحق النظر من قبل الله تعالى.
فالخلق كلهم لا شيء، والعبد لا حقيقة له من ذاته ولا شيئية له على الاستقلال لأنه شيء بشيئية غيره، وهذا الغير هو الموجود على الحقيقة على وجه البسيطة وهم الميامين محمدٍ وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين، لذلك فما من شيء له إنية حقيقية غيرهم (عليهم السلام)، ومن وجدت له إنية فهو عاص وجاحد، فلا يجب أن يكون لعبد في وجدانه لوجوده اعتبار لأنه حينئذ يكون مدع للاستقلال عامداً أو غافلاً، هذا في حال أنه قائم بكل ما هو مراد منه فكيف بمن هو مقصر في أداء ما يراد منه من ظاهر التكليف؟ وكيف بمن هو مذنب وعاصي؟
ولو كان العبد يعلم عظم ادعائه للاستقلالية من نفسه لأنكره وتبرأ منه (لَوِاطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً ولَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْب) (الكهف:18)، واعلم أن أعمال العباد هو القلم الذي يرسم الصور في الوجود، فإذا أذنب العبد نزل الذنب من خزانة العلم الإمكاني فلا يفنى ولا يُمحى ولا يسقط من اعتباره ونسبته إلى العبد من الوجود الراجح ولكن قد يمحى الذنب من العلم الكوني بعد التوبة ويرتفع إلى الوجود الراجح، فيمحو تعلقه بمن عمله ويقطع الربط والاتصال بين العبد وذنبه فيبقى ذنب العبد صورة ملقاة على وجهها لا حياة فيها، وأما إذا كانت الأعمال مستنيرة وعلى الوجه المأمور به يصعد العبد بأعماله إلى الدرجات العلا في عليين ويتفجر من باطنه النور المودع من العالم الأول وهو قول الرسول الأعظم (صصلى الله عليه وآله وسلم): (في القلب نور لا يضيء إلا من اتباع الحق وقصد السبيل وهو نور من المرسلين الأنبياء مودع في قلوب المؤمنين)، والحق أن هذه الأعمال هي الصفة وصاحبها هو الموصوف إلا أن أمثال الأعمال هي التي تجذب صاحبها إلى محل الأمثال، فالأعمال النورانية تجذب صاحبها فيكون مصير العبد ومرده إلى محل أمثاله في عليين، وكذا الأعمال الظلمانية، فإذا كانت الأعمال توافق الصفات المودعة في سجين كان هناك وإذا كانت توافق الصفات العليا في عليين كان هناك.
فالتفت ولا تغفل عن كونك مكلف بأن تكون الظهور الكامل لخالقك لأنك الإنسان الصغير الذي هو على صفة الإنسان الكبير، وأنت أيها الصغير أعظم من الإنسان الكبير لأنه مقيد وأما أنت فلك مقام الهيمنة والسيطرة على كل الوجود لأنك ظهور القادر المهيمن الذي لا يمكن أن يحصي صفاته إلا الذي يسبح في لجة اللانهاية على جهة الكليات والجزئيات.. محمدٍ وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فكن في مقام ظهور الحي الذي كان من الأزل وباق إلى الأبد لتحصل على الفيوضات والإمدادات من بحر القدرة إلى تطنج المشيئة ومنها إلى جدول الحقيقة ومنها إلى مستسرات الأكوان ومستوضحات شهادة الأعيان فتعرف بقدرك المبادئ العالية وأطوار العوالم الغيبية إضافة إلى أطوار عالم الشهادة والمقامات الخلقية لظهورات الجهات التفصيلية وغيرها من الأحوال البرزخية بين الغيب والشهادة والظاهر والباطن.. بقدرك أيها الإنسان، فالإنسان الكبير الذي هو العالم الأكبر يحمل صفة الكمال لأنه الدليل على الكامل، فكيف بك أنت أيها الإنسان؟ فإذا ما تطهرت لم يبق فيك إلا الوصف الحسن، وانجذبت نحو الجمال الحقيقي، واتصلت على الحقيقة فصرت بذاتك مرآة وظهور ومجلى للجمال الإلهي وأقمت الصلاة على الحقيقة.. الصلاة التي كانت ولا تزال كبيرة إلا على الخاشعين (واسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ) (البقرة:45).
المصدر: الموقع الرسمي لسماحة العلامة الشيخ عبدالله العشوان الأحسائي حفظه الله ورعاه
ليست هناك تعليقات:
يسعدنا تفاعلكم بالتعليق، لكن يرجى مراعاة الآداب العامة وعدم نشر روابط إشهار حتى ينشر التعليق، ويمكنك أن تستخدم الابتسامات بالوقوف عليها لمعرفة الكود
=q =w =s =d =f =g =h =t =y =u =z =x =c =v =b =n =m =a =e =r